يبدو أن مسلسل الدجل والخرافة لن ينتهي بسهولة في مصر بل لا تزال تطالعنا الأخبار بخرافات ودجاجلة من كل لون ومن كل الملل، فما معني الدَّجل لغة؟ جاء في المعجم الوجيز : دَجَلَ دَجْلاً : كذب ومَوّه فهو داج، ودجَّال والحق : لبسه بالباطل، دَجَّلَ : بالغ في الكذب والتمويه وجود مشاكل مصرية اقتصادية أو صحية أو أمنية فهذا أمر طبيعي وليس بأمر شاذ فكل المجتمعات علي اختلاف نظمها تئن بمثل هذه المشاكل وغيرها وتحاول كل الحكومات أن تعالج هذه المشاكل وفق ما تملك من أسباب، تلكم المشاكل لا تفرق بين مسلم وغيره لأنها مشاكل عامة، فكاتب هذه السطور ومنذ أكثر من ربع قرن يخرج ويدخل عبر المواني والمطارات في الحج أو العمرة أو في الزيارات العادية لدول الخليج ومع ذلك وخلال هذه الفترة الطويلة لابد من حجز جواز سفري بالساعات وربما أبيت في المطار للصباح ويدور الحوار مع المسئول الأمني وهو حوار متكرر استمر ولازال أكثر من ربع قرن حتي اعتدت عليه رغم ما به من ظلم، ومع كل ذلك أنظر إلي حالة الأمن العامة المطمئنة في مصر وأقول لنفسي ليس مهما أن أجلس بضع ساعات أو أكثر لأجيب علي أسئلة محفوظة فربما يكون ذلك تدريبًا معتادًا وسياسة أمنية وذلك مقابل ما أحصل عليه من أمن في تجوالي وفي بيتي وفي مجتمعي، إذن هذه مشكلة فهل يجوز لي أن أوظفها توظيفًا طائفيًا؟ بالطبع لا
ومن هنا فلماذا يوظف بعض الأقباط أي مشكلة لهم توظيفًا طائفيًا فلقد استمعت ورأيت حلقة لبرنامج العاشرة مساءً حيث جاء فيها عن محام اسمه نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان وكأنه قد نصب نفسه زعيما ومتحدثًا رسميًا للأقباط حيث هاجم نقابة الأطباء المصرية التي أرسلت إغاثاتها الطبية إلي كل من الصومال والعراق وغزة وأفغانستان ولم ترسل النقابة إغاثتها إلي نجع حمادي بعد اعتداء ثلاثة مجرمين علي ثمانية، من المصريين أحدهم مسلم والبقية غير مسلمين، لم أتعجب من هذا الدَّجل باسم الأقباط وإنما تعجبت أن هذا الدجل مرَّ بدون مناقشة أو ردع، لأن تركه بلا تعقيب يزيد من الفتنة اشتعالاً هذا إذا سلمنا فعلاً أن الفتنة عامة فما بالنا والواقع يشهد أنها فتنة خاصة محدودة ودليل ذلك أن ضحايا عادات الثأر في الصعيد بين المسلمين بعضهم البعض أكثر بكثير من ضحايا شغب طائفي، وليس معني كلامي التغافل عن المشكلة رغم محدوديتها فإن معظم النار من مستصغر الشرر،إن مضمون كلام هذا المحامي والذي يحاول استثمار أحداث نجع حمادي وفق مصالح وأهواء شخصية وكيف ذلك؟ ! إن الرجل يشبه أحداث الصومال والعراق وأفغانستان وغزة بأحداث نجع حمادي وهذا قياس مع الفارق يتبينه أقل الناس عقلاً فتصوير أحداث النجع علي أنها حروب أهلية كما في الصومال والعراق أو حرب ضد الاحتلال إنما هو دجل طائفي سياسي يصب في اتجاه واحد ألا وهو التصعيد والإثارة والتشكيك لتمزيق المجتمع المصري، إن الحكومة المركزية المصرية والمحليات بالمحافظة المعنية بكافة أجهزتها السياسية والأمنية والقضائية والصحية قد احتوت المشكلة وسارعت كل جهة بالقيام بواجبها فلا حاجة للمصابين أيًا كانت ملتهم إلي قوافل إغاثة من نقابة الأطباء أو غيرها فإغاثة الحكومة وأجهزتها المعنية تكفل وتكفي لمعالجة الأمر، إن نجيب جبرائيل بكلامه يؤجج نار الفتنة ولا يخمدها فعلي العقلاء في الكنيسة أن يأخذوا علي أيدي هؤلاء وإلا تعين علي الحكومة المصرية أن توقف أمثال هؤلاء بالحسم تارة وباللين تارة أخري، إن النظام المصري والمتمثل في وزارة الأوقاف قد تدخل وأوقف بعض مشاهير الخطباء الذين يتجاوزون الحد بحماسهم فيسيئون لمجتمعهم أكثر مما يحسنون، فمن باب أولي والعلة واحدة أن يردع أولو النهي والحكمة أمثال نجيب جبرائيل?.
إن أحداث نجع حمادي ورغم بشاعتها لا تخرج عن كونها حادثة جنائية نكراء آثارها محدودة بكل المقاييس عند العقلاء أما عند أصحاب الهوي والشغب فالأمر يختلف، فمعني الفتنة الطائفية أن يكون هناك تجمعات طائفية تحمل السلاح ضد بعضها البعض سواء بين مسلمين ومسلمين أو بين مسلمين وغيرهم والحمد لله مصر آمنة من هذه الظاهرة، وإن وجدت تربة فكرية وسلوكية تنذر بالفتنة العامة ومنها تصريحات نجيب جبرائيل إنني أعايش واقعًا كما يعايشه غيري من العقلاء بغض النظر عن الاختلاف العقائدي، فكم من مساجد يجاورها كنائس ولا يُعلم عن مشاجرات بين رواد كلٌ منهما، فمنذ أكثر من نصف قرن ومسجد أنصار السنَّة المحمدية بدمنهور يجاوره أكبر كنيسة بالمدينة ومع ذلك لم يحدث ولو مرة واحدة ما يعكر صفو الأمن مع العلم بأن المسجد المذكور ليس تحت إشراف الأوقاف الحكومية وإنما تحت إشراف جمعية أهلية أتشرف برئاستها خلال عشرين عامًا تقريبًا، ويعيش الأقباط في مصر بكل حرية في تجاراتهم واستثماراتهم وجمعياتهم ويجاورهم المسلمون من كل مكان ومع ذلك لا وجود لهذه الفتن بهذا التصعيد الإعلامي، إن الوسطية دائمًا خط نجاة لغالبية العقلاء فجدير بنا أن نكون وسطيين في نظرتنا لهذه المشكلة بلا إفراط أو تفريط أو تهويل مما يدخلنا في متاهات يصعب التنبؤ بنتائجها
إن حوادث الاعتداء بين مسلمين وأقباط رغم محدودية حدوثها إلا أنها تمثل مستصغر الشرر الذي يخشي منه أن يتصاعد وينمو فيصير فتنة عامة فكيف نعالج هذا الأمر؟ من خلال فقه شرعي ورؤية سياسية وأخري أمنية؟ وهذا ما أستعرضه في سلسلة مقالات قادمة تتعلق الجماعات الدينية المتحزبة وأثرها علي أمن واستقرار المجتمع، مظاهر وأسباب ومقدمات ونتائج ثم طرق العلاج، والفتنة الطائفية العامة والخاصة أسباب ومظاهر ومقدمات ونتائج وطرق علاج، والقضية الفلسطينية والتعامل مع حماس بفقه شرعي ورؤية سياسية وأخري أمنية، والخطاب الديني المعاصر مضمونة وسلبياته ومصادره وطرق علاجه، والنفسية المصرية أعراضها وأمراضها وأسبابها وطرق علاجها، وتطوير التعليم بين سفسطة أحمد زويل وجدِّية مجدي يعقوب وفاعلية محمد غنيم، والدعم لمن وكيف؟ والتطرف الرياضي والفني وأثرهما علي عقلية المواطن وسلوكه، والبطالة مظاهرها وحقيقتها وأسبابها وطرق العلاج، والسياسات البارعة والتطبيقات البارعة والتطبيقات الفاشلة
وقد يقول قائل وما علاقة هذه المواضيع السابق الإشارة إليها بالفتنة الطائفية العلاقة واضحة لأن رءوس المواضيع المذكورة تصب في النهاية لمعالجة السلبيات التي تعاني منها الشخصية المصرية، فكلما زاد مستوي الفرد في مصر من حيث الاستيعاب العلمي والعقلي لما يشاهده من أحداث كلما زاد تفاعله الجدي في تجاوز كل خطأ والمسارعة لحله والقضاء عليه، فالفكر الديني الطائش له انعكاساته علي كل قضايا المجتمع فكما زاد النضج الديني وارتفعت معدلات التدين الصحيح بعيدًا عن التدين المغشوش كلما قلت بل انعدمت الطائفية، وكلما زاد معدل تطوير التعليم تطويرًا حقيقيًا نحافظ فيه علي أصولنا وجذورنا وفي الوقت نفسه نلحق الركب العلمي العالمي كلما اتسعت مداركنا لتدارك المشاكل الطائفية والمسارعة لوأدها وهكذا باقي العناصر فلا شك أن البطالة أحد العوامل المؤثرة في اختيارات نفسية المواطن من أفكار متطرفة أو أفكار منحلة ومع العرض سيتضح المقام تباعًا
dyn-web.com
أفضل مشاهدة بدقة 768 *1024 أو أعلى باستخدام فاير فوكس أو انترنت اكسبلورر 7