وبنفس الطريقة اشتركت مع تشيس روبنسون في كتاب "التأريخ
الإسلامي" ليبحثا في كيف فهم المسلمين ماضيهم وكيف كانوا يكتبون التاريخ
وأهم مشاكل الكتابة التاريخية العربية الإسلامية وتوظيف المسلمين للتاريخ
سياسيا واجتماعيا منذ القرن الثامن حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي،
ولا يخفى ما في هذين الكتابين من إشارات خفية لزيف التاريخ الإسلامي
ومصادره باعتبار أنه من اختراع المسلمين أنفسهم.
ففي مقال لها على موقع " أوبن ديموكراسي " بعنوان "الجهاد:
الفكرة والتاريخ" قدمت دراسة من أربعة أجزاء تناولت فيها مفهوم الجهاد
الإسلامي من حيث نشأته، معتبرة أن نشأة الجهاد في الإسلام ارتبطت به منذ
البداية من خلال نوعين من الحروب: ما أسمته بالحروب التبشيرية والتي تعني
اتباع الدولة الإسلامية لسياسة العنف الحربي لنشر الدين الإسلامي في أرجاء
العالم حيث انتشرت الجيوش لفرض الإسلام في كل مكان.
والنوع الثاني ما كان موجها للكفار الذين رفضوا الإسلام
فهؤلاء يُقابلون بالعنف والقتل فيما عدا أهل الذمة في حالة قبولهم بدفع
الجزية، أما لو رفضوا فإنهم يقابلون بالقتل أيضا.
وتسوق كرون مقارنة غريبة بين التبشير الإسلامي كما أسمته
وبين التبشير المسيحي؛ إذ إن المبشرين المسيحيين انطلقوا مع الجيوش الغربية
لغزو الدول الإسلامية كمبشرين سلميين ومدنيين لا كجنود، بينما الجنود
المسلمون (الفاتحون) هم في الوقت نفسه مبشرون (دعاة).
هذا هو الفرق بين الإسلام والمسيحية، حيث الخلط بين الجهاد
والدعوة في الإسلام لتصل إلى الادعاء بأن الإسلام هو دين عنف لا سلم، وينشر
دعوته بالسيف لأن دعاته هم جنوده، كما تدعي أن الحروب الصليبية تتباين عن
حروب الإسلام في أن الأولى لم تكن حروبا توسعية أو لتنصير المسلمين بل كانت
فقط لاستعادة الأراضي المقدسة.
وتحاول كرون دائما إقناع القارئ أن تشريع الجهاد في الإسلام
مر بمرحلتين متباينتين: الأولى فترة الضعف في مكة حيث لم يشرع الجهاد،
والثانية فترة القوة بالمدينة؛ لذا تطرح سؤالا متكررا على ألسنة
المستشرقين: هل الإسلام انتشر بحد السيف؟ لتجيب بلا تردد وبقوة: نعم.
فالإسلام يريد جر الناس للجنة بالسلاسل على حد قولها! ثم يزعم أنه دين
عالمي.
وتأتي بأقوال منسوبة لمجهولين دون أن تفصح عن مصادرها لتؤكد
أن كثيرا من الفلاسفة شككوا في صحة الإسلام حيث قالوا إن كان الإسلام دينا
بالفعل ونبيه المزعوم نبيا بحق لم يكن لينشر هذا الدين بالسيف؛ لأن
الأنبياء لا يبعثون بالسيف بل بالرحمة.
تمضي باتريشيا في ادعاءاتها لتصل إلى أن الزمان دار دورته
وعاد المسلمون اليوم سيرتهم الأولى من الضعف بعد فقدانهم السيادة الإسلامية
على كثير من الأراضي مثل الأندلس وهنا ينقسم الفقهاء إلى فريقين: فريق
أسمته الأصوليين أو المتشددين الذين يرون الجهاد ضرورة من أجل استعادة
الأراضي السليبة وحتى يدخل الجميع في الإسلام، وفريق يرى أن يعود المسلمون
كما كانوا في مكة فيستسلمون لحكم الكفار وإن كان ولا بد من المقاومة
فليهاجروا إلى مكان آخر حتى يصبحوا في موضع قوة مرة أخرى فيعودوا لنشر
الإسلام.
هذه الادعاءات جميعها من قبل كرون لا أساس لها من الصحة
وتفتقر للعلمية فهي تارة تعتمد على مصادر مجهولة وأقوال منسوبة لمجهولين
لتأكيد ادعاءاتها، وتارة تجتزئ النصوص القرآنية لتتوافق مع آرائها وتصوغ
الحجج والدلائل من مصادر غير إسلامية لتعضيد فكرتها وتتجاهل النصوص
والمصادر التي تتناقض مع رؤيتها.
فتشريع الجهاد جاء متدرجا على نمط كثير من الأحكام كتحريم
الخمر والربا وغيرها فكانت سنة التدرج في الأحكام من سمات التشريع الإسلامي
وليس ارتباطا بضعف المسلمين أو قوتهم، وهناك الكثير من المستشرقين المنصفين
الذين فندوا مقولة انتشار الإسلام بالسيف وردوا على ادعاءات مماثلة ليس هذا
محلها.